المقدمة
الحمدلله رب
العالمين
لم
أتخيل أبداً أنّ مجرد خاطرة عابرة حول آية في سورة التين، تتحوَّل إلى جزء كامل
يتحدث عن التطور البيولوجي وتطور الإنسان، ثم أجد نفسي وجهاً لوجه أمام التطور
المعرفي الذي يفسّر ويوضح كثيراً من الأمور الشائكة، والتى لا يمكن أن تُفهم إلا
في إطار التطور المعرفيّ والتطور الأخلاقيّ للبشرية.
العبارة
الأكثر شهرة، وذات السمعة السيّئة، منذ أن وضع دارون نظريته الشهيرة عن التطور وهي
العبارة التي يتناقلها الناس بشكل خاطئ دون تحقيق أو محاولة حقيقية لفهمها- عن أنّ
أصل الإنسان قرد، قد تكون مجرد نزهة، مقارنة بالمعلومات القرآنية التى حصلنا عليها،
من خلال تحليل وتتبع الألفاظ القرآنية عن تطور الإنسان، وتطور الحياة بصفة عامة.
وحتى
أكون منصفاً، لابد من الإشارة إلى أنّ فهم الأفكار التى وردت بالكتاب، يلزمها فهم
المنهج المستخدم في تحليل اللفظ القرآني، وذلك من خلال الجزء الثاني، والذي بدونه
سوف يعتقد القارئ أن الأفكار الواردة هي مجرد خواطر، وليست وقائع تقوم على الدليل
والبرهان؛ لذا أنصح بكلّ أمانة قبل البدء في قراءة هذا الجزء، أن يكون القارئ قد
مرّ على الجزء الثاني، وخاصةً الفصلان الأول والثاني، المتعلقان بنظريات اللغة، وفهم
الفرق بين التعبير القرآني (لساناً عربياً) الذي وصف الله به ألفاظ القرآن، وبين
لفظ (لسان العرب) الذي يتبناه أهل التفسير والفقه في فهم كتاب الله.
لقد حاولت جاهداً في هذا
الجزء الاختصار قدر المستطاع؛ حتى لا يثقل على القارئ تتبع الأفكار، وإن كنت على
يقين أنّ كلّ فصل من فصول هذا الكتاب يلزمه مجلد لبيان وتوضيح الأفكار بشكل تام، غير
أنّ عزائي في ذلك أن يقع هذا الكتاب بين أيدي باحثين عن الحقيقة، متحررين من
القيود والصور النّمطية التي وضعها التراثيون، والتى حملوا الناس عليها حملاً حتى
صار كتاب الله لا ينطق بالحق، بل ينطق على مقاس رؤيتهم. إنّ التفسيرات التقليدية في أغلبها تتصادم مع العلم ومع المنطق؛ ومع
ذلك يُصِرُّ هؤلاء إصرار الذي لا يعلم، ولا يريد أن يُعطي نفسه فرصةً لمراجعة
واختبار ما يعرف، مدّعياً تمامَ العلم والمعرفة وكمال الإيمان، بل يحاول هؤلاء بكل
جهد كسر شوكة العقل والفكر، واعتبارَه من نواقض الإيمان بالله.
سوف نثبت من خلال هذا
الجزء أنّ الذهاب بعيداً، والتحليق بالعقل في الآفاق، سوف يقود العقل مباشرة إلى
الخالق، بينما الإصرار على تقليد السابقين رغم منافاة ذلك للعقل والمنطق، هو
الهلاك المعرفي، والعودة على الأعقاب التي حذّرَ منها كتابُ الله مراراً وتكراراً،
وذلك في آيات عديدة تحثّ على عدم تسليم العقل للموروث، أيَّاً كان هذا الموروث من
غير تعقُّل حقيقي أو دليل وبرهان.
هذه ليست دعوة للانسلاخ؛
ولكنها دعوة للتعقل، وأن ندخل في الزمرة التى تَسبح إلى خالقها بالمعرفة، وتحاول
جاهدةً وضع الأمور في نصابها دون تقديس من لا يستحقّ التقديس، ومن خلال القراءة
المستمرة لآيات الله اللفظية وربطها بآيات الله الكونية .
القرآن مليء بالنظريات
المعرفية، وسيظل يفيض بالنظريات التي ترتبط بالقوانين الكونية، وتعمل معها بشكل
متوازٍ.
سوف نقدم في هذا الكتاب مجموعةً من الأفكار
والنظريات الفريدة، التى حيَّرت الكثيرين من العلماء، اعتماداً على تحليل اللفظ
القرآني فقط، غير محتكرين للحقيقة، ولا مدّعين طلاقة الفكرة، وإنّما سابحين
متدبِّرين بقدر ما أفاء الله علينا من فضله.
ليست الحقائق والنظريات
العلمية ركناً أساسياً في منهجنا؛ ولكن هي فقط للاسترشاد وتقريب المعنى المراد، وما
نعوِّل عليه هو تحليل اللفظ القرآني ومدلوله، وقد تتوافق المعلومات العلمية مع
نتيجة تحليل اللفظ القرآني وقد تختلف، بل وأحياناً سوف تجد أنّ اللفظ القرآني ذهب
بعيداً؛ ليعطي لمحات لم يتم اكتشافها بعد.
آفة هذا الكتاب وكل كتاب
أن يعتقد قارئوه أنه منتهى الطريق، وأنّ العلم الذي يحويه نهائي وقاطع؛ وهذا لعمري
هو سبب نكبة الأمم، فما الأفكار إلا درجة في سلَّم العلم الذي لا ينتهي؛ فإن لم
تفتح كلّ فكرة باباً للمعرفة، وتوصد باباً للخرافة فما أدت وظيفتها، وكلّ مجتمع لا
تنبت فيه الأفكار بشكل صحيّ، هو مجتمع ميت، وبقاؤه عبء على البشرية، وسوف يندثر لا
محالة.
سوف نعلي في كتابنا من
قيمة الدليل والبرهان، ونستخدم لغة الاحتمالات؛ لا نقطع ولا نجزم في عرض الأفكار، ولا
نخضع لإرث بشريّ وتعصب فكريّ ما أنزل الله
به من سلطان.
وإلى جانب ذلك سوف نشرح
فكرة التطور البيولوجي من خلال كتاب الله، وتطور الإنسان بصفة خاصة.
ويتناول هذا الجزء نقطةً غايةً في الأهمية وهي
التطور المعرفيّ الذي يفسر كثيراً من الأمور، ويضع الماضي في وضعه الطبيعي، ويفسر
أحسن القصص في كتاب الله، من خلال فهم التطور المعرفيّ والتطور الأخلاقيّ.
إنّ التطور المعرفيّ هو
ما سيجيب على أخطر الأسئلة التي يوجهها غير المؤمنين بوجود إله. فسوف يكشف الكثير
من الغموض، ويكشف مسؤولية الإنسان في هذا الكون، ويجيب عن أسئلة، مثل:
لماذا لم يرسل الله
القرآن إلى آدم منذ البداية؟ وما لزوم الأنبياء السابقين؟ ولماذا لم يكن هناك نبي ورسول واحد؟ وكيف يتم فهم نسخ الأحكام في
الرسالات السابقة؟ ولماذا القرآن هو المهيمن والمسيطر والخاتم؟ ولماذا القرآن خاتم
الكتب، ورسول الله محمد خاتم الأنبياء؟
ولماذا توقف إرسال الأنبياء؟ وكيف يمكن أن
نفهم بعض الخوارق للعادة والتدخل المباشر للخالق في الماضي، ثم توقف هذا
التدخل -على الأقل- بالصورة الغزيرة التي كانت في السابق؟ ولماذا لم يأت رسول الله
بمعجزات مادية؟
كل هذه الأسئلة لا يمكن
الإجابة عنها بشكل سليم؛ إلا إذا فهمنا نظرية التطور، وتتبّعنا التطور المعرفي والأخلاقي في كتاب الله.
لم يكن لنا أن نفهم ونستنبط التطور المعرفي، لولا التصريح
بالتطور البيولوجي وتطور الإنسان، بآيات تكاد تلامس الإعلان الصريح في كتاب الله.
لم يستطع الإنسان القديم
فهم هذا التطور، وهو على ذلك معذور، فكيف للإنسان الذي عاش منذ أربعة عشر قرناً أن يستوعب هذه الفكرة العظيمة؟
و كيف يفهمها في ظلّ قدرات معرفية محدودة للغاية؟ وكيف يفهمها والتحيز المعرفي لا
يمكن إنكاره؛ من خلال تفسيرات نصوص الكتب السابقة، والتي تتحدث بشكل مباشر عن خلق
آدم الكامل، وخلق كل شيء بشكل مستقل.
سوف نرى كيف بعد أن وصل
الإنسان لمرحلة النضج البيولوجى تطورت قدراته العقلية، وأصبح قادراً على التعبير
عن أفكاره عن طريق اللغة، وعندها بدأ نوع جديد من التطور في النمو المتسارع، وكأنّه
في متوالية هندسية؛ إنه التطور المعرفي الذي
ألقى بظلاله على جميع أنواع
التطورات الأخرى، مثل: التطور البيولوجي، والتطور الاجتماعي.
لقد سمح التطور المعرفيّ للإنسان بفهم التطور
البيولوجي وتطبيقاته، والتي ساهمت في
تحسين وصيانة حياته، وذلك عندما استطاع اكتشاف الأمراض وعلاجها، بل
والوقاية منها، وتتبع تاريخها.
كذلك مكّن التطورُ
المعرفي الإنسانَ من فهم التطور الاجتماعي، ومن ثمّ تهذيب أخلاقه، والرقي في
تعاملاته بصورة لا يمكن إنكارها، فالتطور المعرفي هو المظلة التي ترعى كل أنواع
التطورات الأخرى.
نستطيع قراءة هذا التطور
المعرفي للبشرية من خلال تتبع القصص القرآني، الذي يخبرنا عن كيفية التدخل الإلهي المباشر منذ تكليف آدم
بالمسؤولية، وتشريفه بحمل الأمانة، حتى إذا وصلت البشرية لمرحلة من النضج المعرفي،
وأصبحت قادرة على التعامل والتعاطي مع هذا الكون الفسيح، إلا ونجد توقف التدخلات
الإلهية المباشرة، والذي تمّ الإعلان عنه بنزول القرآن الكريم: ﴿وَقَالُوا
لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا
تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ
تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ
تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ
سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)﴾ (سورة الإسراء : الآيات 90-93)
فها هم المشركون يطلبون
آيةً ماديةً على صدق نبوَّته، فيردّ عليهم رسول الله، هل هو إلا بشر رسول؟ بما
يثبت أنه لم يأتهم بما طلبوا .
فهو لم يأتهم بما طلبوا
لأنّ هذه المرحلة انتهت، وأصبحت البشرية على أعتاب مرحلة جديدة، وهي مرحلة النضج
العقلي؛ والتي من ضمنها تحمل المسؤولية
كاملة تجاه هذا الكون.
تطلبت هذه المرحلة أن
يكون هناك مرجعٌ أساسىٌ يعود إليه الناس، ويهتدي به أولو العلم، فنزل القرآن، وتعهد
ربنا بحفظ الذكر فيه لمن أراد شكوراً.
وكما حدث التطور
البيولوجي بشكل متدرج وتقدير دقيق، سار على هذا النهج التطور المعرفي.
تتبُّع القصص القرآني
يوضح بشكل فريد كيف أنّ البشرية كلّما نضجت درجة، قلَّ التجسيد وزاد التجريد،
وكلّما تهذبت وصارت أكثر رقياً، قلَّ تبعاً لذلك التشريع السماوي، وزادت في الوقت
نفسه المساحة الممنوحة للبشر للتقرير والتشريع.
إذ لا يمكن فهم عقاب
جريمة القتل الذي نزل في التوراة؛ وهو النفس بالنفس، ثم تحول في كتاب الله إلى
قصاص -كما سوف نرى في هذا الجزء- إلا من خلال التطور المعرفي والتطور الأخلاقي
للبشرية؛ لذلك يبدو طبيعياً أن تنسخ الشريعة الجديدة الشريعة القديمة؛ بسبب هذا
التطور المعرفي للبشرية.
وهكذا العناية الإلهية
والتشريع الربَّاني؛ يُعدُّ الإنسان بشكل مستمر ليصبح أكثر قدرةً وأكثر كفاءة في
تحمل المسؤولية.
لذا كان القرآن الكريم
بداية مرحلة الإنسان المستقلّ، صاحب القرار، والذي من المفترض أن يكون على قدر
المسؤولية تجاه الكون وتجاه المخلوقات الأخرى؛ من خلال الاتصال الدائم مع خالقه، فهذا
الكتاب العظيم والذي تحمل كلماته سرَّ بيانها، وتفصح عن نفسها، كان وما زال يحتوي
على جزء عقلي، يستطيع العقل إدراكه والتحقق منه، وجزء غيبي غير قابل للقياس، وغير خاضع
لحدود العقل؛ بسبب العوز المعرفي.
عن طريق إدراك الجزء
العقلى والتحقق منه، ومن ثم الإيمان به، يستطيع الإنسان قبول الإيمان الغيبي بكل
سهولة، والتسليم التام له من خلال عملية منطقية سليمة.
ومع مرور الوقت وزيادة
التطور المعرفي، يصبح من الطبيعي
اتساع مساحة الإيمان العقلي عن طريق العلم،
والتراكم المستمرّ للمعرفة، مما يسبب ضيق وانحسار مساحة الإيمان الغيبي.
لقد كان الإيمان العقلي
في بداية الدعوة متمثلاً في القصص
والأخبار التي قصها القرآن الكريم، ولم يكن الرسول الكريم على علم بها أو شاهداً
عليها، بشهادة معاصريه.
من ناحية أخرى، كانت
التعبيرات القرآنية -والتي لم يعهدها العرب- دليلاً آخر يمكن إدراكه بسهولة، وهم
يعلمون جيداً أنّ محمداً بن عبد الله نشأ بينهم، ولا يجيد تلاوة المكتوب، أو خط
الكتابة، وهذه الأدلة الملموسة كانت دليلاً عقلياً واضحاً، على أنّ القرآن كتابٌ
فريد، لا يمكن أن يكون إنتاجًا بشريًا.
لقد ساق هذا الإيمان
العقلي أصحابَ العقول والمنطقِ السليم في الماضي إلى الإيمان التام بالغيب، على
الرغم من غزارة الجزء الغيبي في بداية
الدعوة وكثافته؛ مثل: الآيات الكونية، وخلق الكون، وخلق الإنسان، ووصف ظواهر طبيعية
مختلفة.
هذا الإيمان بالجزء
العقلي الذي لمسه أتباع الرسول الكريم، وتيقّنت منه أنفسهم، هو ما منحهم كل هذه
الثقة الإيمانية بالجزء الغيبي، والتسليم الكامل له، مما انعكس بشكل شديد الوضوح
على تعاملاتهم، وتفاعلهم مع مجتمعهم وصدق لهجتهم.
مع وفاة الرسول والتطور
الزمني كان من الطبيعي اتساع الإيمان العقلي؛ وذلك من خلال اكتشاف بلاغة وإعجاز
اللفظ القرآني، ومطابقته لوصف ظواهر علمية وحقائق كونية، بشكل يوحي بتطابق الكلمة
القرآنية والكلمة الكونية؛ مما يعزز ويقوّي البرهان على أنّ هذا الكتاب كتاب إلهيّ،
وأنّ القرآن والكون كلاهما ينطق بالوحدانية.
الإيمان العقلي ركن أصيل
في النفس البشرية السليمة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم، عندما ذكر مشاهد
متعددة لنبي الله إبراهيم، أثناء رحلة بحثه الدؤوب عن الحقيقة، فلم يخضع لموروث
قومه، وحاول جاهداً الاستدلال، مستخدماً المنطق والتحليل والاستنتاج.
إنه إيمان علم اليقين
الذي حصل عليه نبي الله، نتيجة بحثه المخلص عن الحقيقة، ثم توجّهُه بإيمان عين
اليقين عندما طلب من ربه أن يريه كيف يحي الموتى.
هذا الشغف بالبحث عن
الحقيقة، والوصول إلى أعلى درجات الإيمان العقلي، الذي ورثناه عن نبي الله إبراهيم،
هو الوحيد الضامن لتجدد هذه الأمة؛ لأنه قائم بشكل أساسى على التسبيح، والحركة
الدائمة من البحث والنظر والتدبر والقياس والمقارنة، وكلها أمور علمية تعتمد
اعتماداً كليَّاً على العقل.
إنّ عدم إدراك مفهوم
التطور جعل كثيراً من الأمور ضبابيةً وغائمةً، ولعلَّنا هنا في هذا الكتاب نلقي
الضوء بعض الشيء على هذه النظرية، التي أعدُّها من أعظم النظريات، والتي جاءت
صريحةً في كتاب الله، مشتملةً كمَّاً من المعلومات الهائلة عن خلق الإنسان، والتطور
المعرفي والأخلاقي.
قصة كتابة هذا الجزء
مليئة بالعجب؛ فلقد كانت البداية مجرد فصل عن آية في سورة التين، في الجزء الثاني، ولا يتجاوز عشرين صفحة، ومع
استمرار تتبّع الألفاظ القرآنية بدأت أمورٌ في التكشُّف خاصةٌ بالتطور، وبسبب
غزارة المعلومات التي حصلت عليها؛ قررت
تأجيل هذا الفصل، ووضعَه في جزء
خاص، وهو الجزء الثالث الذي بين أيدينا.
لقد كان هذا الجزء بعد
مرور عامين عبارة عن ثمانية فصول، تتحدث عن التطور، وخلق الإنسان، والتطور المعرفي.
وعند قرب نهاية الكتابة، واستعدادي لطباعة هذا
الجزء، توصلت لمعلومات عن نظرية الشر في كتاب الله، فقررت بحثها، ومن ثَمَّ إضافة
هذه النظرية إلى التطور المعرفي في الكتاب.
وما إن انتهيت من نظرية
الشر، إلا وجدت نفسي أمام نظرية الانقراض الكبير، التى جاءت مفصّلة في كتاب الله، والتى
سجلتها في فصل كامل.
كان آخر فصل من فصول هذا الكتاب هو فصل الأنعام، والذي يلقي الضوء على التطور من جانب آخر.
عند هذه اللحظة كان يجب
إعادة ترتيب الفصول؛ ليصبح كل ما يخص التطور البيولوجي ونظرية الانقراض ضمن الباب
الأول، والتطور المعرفي ونظرية الشر من ضمن الباب الثاني. وقد يلاحظ القارئ تكرار
بعض الاستدلالات؛ وذلك بسبب طول المدة التي استغرقتها كتابة هذا الجزء، وكذلك بسبب
التوصل لبعض المعلومات التي لم تكن في الحسبان.
لو قدر لنا أن نحصي كمَّ الأفكار التى حاولنا
تتبعها، من خلال تحليل اللفظ القرآني، ولم نستطع الوصول إليها، أو أنها كانت
متعارضة مع المنهج الذي نستخدمه؛ لاحتجنا إلى عدد معتبر من المجلدات، فنحن هنا نضع
الأفكار التي نملك أدلةً وبراهين على صحَّتها، و قمنا باختبارها واطمأنت لها النفس
في الكتابة والنشر.
ما زاد اليقين في المنهج الذي نستخدمه في فهم
اللفظ القرآني، هو أنّه في كثير من المواقف كانت الفكرة الرئيسة تسير في اتجاه، ولكن
بسبب تحليل اللفظ القرآني نجد أنفسنا وجها لوجه امام فكرة مغايرة تماماً، بل وفي
بعض المواضع كان تحليل اللفظ القرآني يعطي عكس الفكرة محلّ الدراسة.
لقد كان المنهج واضحاً
تماماً عندما حاولت فهم ظهور الكتابة، من خلال مجموعة آيات في كتاب الله، ولكنّ
تحليل اللفظ القرآني لهذه الآيات لم يعط أية نتيجة عن الكتابة، بل قادني مباشرة
إلى اكتشاف النظام القضائي في البشرية، بينما ظهور الكتابة والإشارة إليها كانت من
خلال مجموعة آيات لم تخطر لي على بال.
لقد كان المخطط لسلسلة
كتاب تلك الأسباب أن تكون أربعة أجزاء، ولكن بعد هذا الجزء والأفكار التي تنتظر
دورها، أعتقد أنّ هذه السلسلة قد تتعدى عشرة أجزاء، إن كان في العمر بقية.
يتضمن هذا الجزء بابين، بمجموع خمسة عشر فصلاً:
الباب
الأول: التطور البيولوجي، وفيه خمسة فصول:
"الفصل الأول: ستة أيام"
يتناول الفصل الأول
تمهيداً تاريخيّاً لمفهوم التطور، وفكرةً بسيطةً عن نظرية التطور لدارون، وبعض
الانتقادات الموجهة للنظرية.
"الفصل الثاني: الطَّور"
يتناول هذا الفصل مفهوم
التطور من خلال كتاب الله بشكل صريح، ويعطي دلالات وإشارات على التطور البيولوجي
شديدة الوضوح، وتكاد تعلن عن نفسها دون الحاجة إلى من يفسرها.
إنه لأمر مذهل أن تجد
نفسك تمرّ صباحاً ومساءً على ذكر التطور في كتاب الله، ولا تلقي له بالاً، بل
وتحسبه شيئاً آخر!
"الفصل الثالث: الإنسان"
في هذا الفصل نحن على
موعد مع خلق وتطور الإنسان، والذي أشار القرآن الكريم إلى أنّه تمَّ من خلال عدة
مراحل، وليس كما أشارت تفسيرات السابقين على أنه تم بشكل كامل.
في هذا الفصل كمٌّ من المعلومات الغزيرة والكثيفة
عن خلق الإنسان، واحتماليةُ انحداره من سلالات سابقة أقلّ رقياً أمرٌ غير مستبعد.
فهل آدم أول إنسان؟ وما الفرق بين الإنسان والبشر؟
سوف نقدم الدليل من كتاب الله وكلماته الناطقة على كل كلمة وردت في هذا الفصل.
"الفصل الرابع: الأنعام"
يتناول هذا الفصل
المخلوقات العجيبة التي يصفها كتاب الله بالأنعام، ووضعها المميز في سلسلة التطور،
وسوف نكتشف أنها مخلوقات فريدة حقًا في كسرها لقاعدة التطور. من خلال هذا الفصل
سوف نتعرض لنظرية وجود الماء على سطح
الأرض، ومن أين جاء؟ كما سوف نكتشف أنّ القاعدة الفقهية (الأصل في الأشياء
الإباحة) ليست صحيحةً دائماً.
"الفصل الخامس طيراً أبابيل"
يتعرض هذا الفصل لسورة
الفيل، والتى سوف نتعرف من خلالها على نظرية الانقراض العظيم، الذي حدث فى تاريخ
الأرض، ولماذا التفسيرات الحالية للسورة غير صحيحة، ولا تعكس قراءة القرآن بشكل
منهجي؟
الباب الثاني: التطور
المعرفي:
"الفصل السادس: أحسن القصص"
يتناول هذا الفصل مقدمةً
عن التطور المعرفي، وآثار هذا التطور المعرفي على البشرية، ولماذا فهْمُ التطور
المعرفي كفيل بالإجابة على أسئلة غاية في التعقيد؟
"الفصل السابع: فأصبح من النادمين"
سوف نحاول خلال هذا
الفصل فهم أول مظاهر التطور المعرفي لدى
آدم وذريته، بزوغ فجر الضمير الإنساني، ودور هذا الضمير في التطور المعرفي
والأخلاقي. سوف نلقي نظرة سريعة من خلال هذا الفصل على تجسيد الطاعة والمعصية، وعلاقتها
بالمراحل الأولى لتطور العقل البشري.
"الفصل الثامن : قرّبا قرباناً"
يتناول هذا الفصل مظهراً
آخر من مظاهر التطور المعرفي، من خلال مقارنة ثلاثة مشاهد قرآنية، مشهد القربان
الخاص بابني أدم ، ومشهد الذبيح ابن نبي
الله إبراهيم، وانتهاءُ بمشهد الهدْي الذي أمر الله أن يكون بين الناس في شعيرة
الحج، في تدرج وتطور معرفي وأخلاقي لا مثيل له.
"الفصل التاسع : أمدَّكم بما تعلمون"
سوف نحاول من خلال هذا
الفصل تتبع القصص القرآني منذ آدم عليه السلام، وحتى نبي الله إبراهيم؛ لكي نكتشف
ظهور مظاهر الحضارة تباعاً، وكيف تطورت، وكيف ظهرت الزراعة والصناعة والتجارة، وكيف تطورت
المجتمعات.
تحليل التعبيرات
القرآنية الدقيقة، التي وصفت هذه الحقب التاريخية، سوف تقودنا إلى كنوز معرفيّة عن
هذا التاريخ الموغل في القدم.
"الفصل العاشر: كلَّم موسى تكليماً"
نستكمل في هذا الفصل
تتبع مظاهر الحضارة الإنسانية، ومرحلةً من أهم مراحل التطور، وهي ظهور الكتابة، وعلاقة
الكتابة بنبي الله موسى، والنّقلة النوعية التي أحدثتها الكتابة في تطور البشرية، وسوف يجيب هذا الفصل على مجموعة أسئلة، مثل: من هم
الأميّون، أو الأُميّ الذي وصفه القرآن؟ ولماذا نعتقد أنَّ المقصود بالنبيّ الأمي
ليس رسول الله محمّد صلوات ربي عليه؟ ولماذا لم يتم تسجيل قصة خروج بني إسرائيل في
الكتابات الفرعونية؟ ولماذا لا يوجد أي أثر ليوسف عليه السلام على جدران المعابد؟
ولماذا لم يتم تسجيل قصته؟
"الفصل الحادي عشر: فصْل الخِطاب"
نتناول في هذا الفصل
مظاهر الحضارة الإنسانية في عهد نبي الله داوود، و نبي الله سليمان، ونبي الله
زكريا، وظهور نظام القضاء، وبداية عصر التعدين، وفي هذا الفصل إشارة إلى ظهور
الفلسفة، وقدرة العقول على التعبير عن الأفكار بشكل بليغ وموجز
.
"الفصل الثاني عشر: إلّا ليعبدون"
في هذا الفصل سوف
نلقي الضوء على مفهوم كلمة العبودية، وما
المقصود بلفظ عبد، لنجيب على السؤال المصيري: لماذا نحن هنا؟ فسوف نكتشف أنّ لفظ
العبد ولفظ العبودية لا تمت بصلة لما فهمه العرب وتداوله الناس فيما بينهم، وأنّ
كتاب الله من خلال آياته يعطي وصفاً دقيقاً للكلمة ومدلولها، ويعيد ترتيب
الأولويات.
"الفصل الثالث عشر: لكم في القِصاص"
يتناول هذا الفصل مظهراً
من مظاهر التطور المعرفي، وهو تطور التشريع من مرحلة النفس بالنفس إلى القصاص، وكيف
أعطى القصاص للإنسان مساحة من المسؤولية، لم ينتبه إليها إلا حديثاً، وهل عقوبة
الإعدام هي العقوبة الأمثل دائما في جرائم القتل؟
سوف نتطرق لمفهوم الحرية
في كتاب الله، والذي يعتقد الكثيرون أنّ كتاب الله غيرُ معنيٍّ بها بشكل صريح،
ونرى مفهوماً جديداً تماماً لمفهوم الحر، ولماذا لفظ الحر غير مناسب لوصف الإنسان؟
ولماذا لم يستخدم كتاب الله هذا اللفظ في التعبير عن الحرية؟
" الفصل الرابع عشر: إمَّا منَّاً وإمَّا
فداءً"
يتناول هذا الفصل أبرز
مظاهر التراجع الأخلاقي في البشرية؛ وهو الرق، وتحول البشر إلى سلعة، وكيف أنّ
القرآن وضع له علاجاً نهائياً؛ من خلال حكم واضحٍ، ولكن بسبب عدم النّضج المعرفي
من جهة، والجمود الفكري من جهة أخرى، لم يستطعِ البشر استيعاب هذا الحكم والتعامل
معه.
"الفصل الخامس عشر : الفَلق"
يتناول هذا الفصل مفهوم
نظرية الشر، ويجيب على الأسئلة الأكثر تعقيداً حول الشر وماهيته ومصدره، من خلال
تحليل اللفظ القرآني في سورة الفلق، التى وضعت النقاط على الحروف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق