Translate

الفصل العاشر - "كَلَّم موسى تكليماً"

الفصل العاشر

"كَلَّم موسى تكليماً"


عدم تسجيل قصة خروج بنى إسرائيل من مصر على جدران المعابد الفرعونية, والتي ذكرت في كتاب الله ظلت عصيَّةً على الفهم؛ إذ لا يوجد لهذا الحادث أيّ أثر يذكر في النقوش  والكتابات الفرعونية, وكذلك لا أثر لقصة فرعون موسى الذي غرق, ومن الأحداث العظيمة التي حدثت لبني إسرائيل والتي لا أثر لها تاريخياً كذلك، قصة يوسف في مصر وتخزين الغلال للنجاة من الجفاف المهلك, كل هذه الأحداث ليس لها  أي أثر في أي نقوش أو كتابات  قديمة, أتدري لماذا ؟


تبدو مرحلة نبي الله موسى من المراحل الفارقة في تاريخ البشرية، والتي تؤسس لظهور مرحلة لا تقل أهمية عن مرحلة اللغة، وهي مرحلة الكتابة.

 قبل أن نشرع في فهم هذه المرحلة، وكيف أنها أسست لنقل البشرية نقلة عظيمة من خلال ظهور الكتابة، كان لابد من فهم مدلول كلمة الأمي والأميين التي  فُهمت على غير معناها، بل على الضد منه. 

- الأُمِّيُّون:

كلمة [أُمِّيّ] وجمعها [أمِّيُّون] من الكلمات صعبة الفهم، والتي حيَّرت وما تزال تحيِّر علماء اللغة؛ فهي كلمة كلما حاولت فهم مدلولها تجد أنَّ الآيات والواقع لا يؤيد ما ذهبت إليه، ولعل الفهم التقليدي لكلمة أُميّ؛ وهو الشخص الذي لا يجيد القراءة والكتابة لم يعد مقبولاً، خصوصاً أنّ آيات الكتاب الكريم تدحضه ولا تثبته؛ فلو أن العرب هم الأميون كما في كثير من التفاسير فإن العرب كان منهم من يقرأ ويكتب، ولو كان الأميون  نسبة إلى أُمَّة بالمعنى البشري؛ فكل تجمّع من البشر هو في الحقيقة أمة، فلماذا التخصيص هنا ووَصف بعضهم بالأميين.

كثير من الباحثين المعاصرين حاولوا فهم مدلول كلمة [الأميّ]، ولكن كلما بدا لهم أنهم أمسكوا بالمدلول من ناحية، تفلَّت من ناحية أخرى، لذا سوف نحاول من خلال منهجنا فهم لفظ [الأميّ]، وشرح جميع الآيات التي ورد فيها لفظ [أميّ] أو [أميّون]، وما هي الحالة التي تصفها الكلمة، وكما نقرر دائماً أنَّ الكلمات في كتاب الله تصف حالة معينة، وليست وصفاً لجنس معين، ولابد من فهم هذه الحالة، ومن ثم تطبيقها على جميع المواضع التي ذكر فيها اللفظ؛ لفهم مدلول هذا اللفظ.

ورد لفظ [أمي وجمعه الأميون] في كتاب الله في ستة مواضع كما سوف يأتي، وأصل كلمة [أمي] هو الألف والميم، ومنها الأم و الأمة، وتعني المرجع والأصل.، وقد وصف ربنا سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم بكونه أمة، وتعني الشخص الذي تفرَّد بنسق وأسلوب جديد تماماً، كان فيه هو الأصل والمرجع، والفكرة التي كان فيها نبي الله إبراهيم صاحب تفكير أصيل ورائد، هي قدرته على التوصُّل لفكرة الإله بالمنطق والعقل، وتحوُّله من فكرة التجسيد إلى فكرة التجريد، وما فعله نبي الله إبراهيم هو إيجاد طريقة مبتكرة، قائمة على قدرة عقلية متطورة في فهم المعنى التجريدي للإله؛ ولذلك تبرَّأ من كلِّ الأوصاف المادية، وعَلِم عِلمَ اليقين أنّ الله ليس كمثله شيء، وأن تأثيره في كل شيء حوله.

لفظ [الأمي] لا يخرج عن هذا الوصف الدقيق، وهو الشخص صاحب السبق، ولو تتبّعنا لفظ [الأمي] في كتاب الله سنجد أنَّ المقصود هو الشخص الذي جاء بفكرة جديدة أصيلة، لم يسبقه إليها أحد من قبل.، فالباحث الذي يأتي ببحث أصيل هو في الحقيقة أُميّ، أي أنه جاء بشيء هو المرجع والأصل فيه، وكل من استنتج فكرة أصيلة هو في الحقيقة أُميّ.

لابد أنْ نلاحظ أنّ لفظ [أمي] يصف فقط من جاء بفكرة أصيلة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الفكرة فكرة جيدة أو فكرة صائبة؛ فسلامة الفكرة وصوابها يعتمد بالأساس على المنهج المستخدم في الوصول لهذه الفكرة، فقد تكون الفكرة صائبة، وقد تكون فكرة غير موفَّقة، أو قائمة على دلائل واهية.

ومفهوم كلمة [الأمي] سوف يصبح أكثر وضوحاً مع تتبع الآيات الكريمة التي ذُكر فيها اللفظ، وتفنيدها بشكل علمي.

الآية الأولى:

)وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ( ( سورة البقرة : 87)

- قالت التفاسير في معنى [أميون] هم من لا يحسنون القراءة والكتابة، وقد جاء فيها كلام مطول لا داعي لسرده هنا، ومن خلال فهمنا لمدلول كلمة [أميّ] وهو الذي يأتي بفكرة جديدة أصيلة؛ سنجد أن الآيات الكريمة التي سبقت هذه الآية والتي تلت هذه الآية تؤيد ما ذهبنا إليه تماماً.

- الأميون في هذه الآية تعني الأشخاص الذين جاؤوا بأفكار أصيلة وجديدة تماماً، ولكنها غير قائمة على منهج علمي، ونستطيع إدراك هذا الفرض بسهولة من خلال سياق الآية الكريمة حيث التعبير القرآني )يعلمون الكتاب إلا أماني(، لم يستخدم الكتاب لفظ [يعرفون الكتاب]، وإنما جاء لفظ [يعلمون] أي القدرة على التحليل والاستنباط والاستنتاج، وهؤلاء الأميون جاؤوا بالفعل بأشياء أصيلة لم يتطرق إليها أحد، ولكنها تفتقد للعلم، وتعتمد على الأماني، أي ما تهوى الأنفس، أو ما يتمني أن يكون، وليس حقيقة ما كان.

في المجتمعات الفقيرة علمياً يظهر هذا النوع من الأميّين بكثافة، إذا افتقروا للمنهج العلمي الصحيح، فقد يكون الشخص على قدر من الذكاء والفطنة بالفعل؛ ولكنَّ افتقاره للعلم الصحيح والمنهج المحدد يوقعه في إشكالية الأماني بدلاً من الحقائق.

سنجد بعض الأشخاص قد جاؤوا بأفكار جديدةٍ، ولكن عند تطبيقها يظهر عوارها وعدم تناسقها، فيحاول هؤلاء الأشخاص تلبيس الأمر أكثر وأكثر ليطاوع ما تمنوه.

إنَّ الطريق الصحيح لإثبات فكرة أو نفيها هو استخدام منهج علمي محدد لدراستها، ومن ثم عرض النتائج بأمانة دون أيِّ تحيز معرفي أو تدخل شخصيّ يؤثر على النتائج، حتى إن كانت النتائج التي حصلْت عليها على عكس ما كنت تتوقعه، ولكنْ للأسف فما يحدث في كثير من المجتمعات هو تحديد فكرة معينة، ثم محاولة إثباتها، وتطويع كل شيء لأجلها، من خلال خلط العلم بالأماني، ولقد حذَّر القرآن وأرشد إلى تجنب هذا التحيز المعرفيّ، والإنصاف في تتبع أي فكرة وفي دراسة أي أمر.

والآية الكريمة التي سبقت الآية التي نحن بصددها تؤكد هذا المعنى وتقويه.    

)وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚأَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)( (سورة البقرة : آيات 76:77).

من الواضح أن لدى هؤلاء القوم شيء ما، عبَّر الله عنه بقوله: )بما فتح الله عليكم(، أي لديهم أفكار ومعرفة معينة يعتبرونها فتحاً من الله، ويطلبون منهم عدم التصريح بها، وهذه الحالة حالة بشرية بامتياز  عند متوهم المعرفة، فهو لا يريد أن يخبر الناس بكل ما يعرف، ويظن أنه يعرف الكثير والكثير، ولا يريد لأحد مشاركته في هذه المعرفة التي يظن أنها فتح من الله، وبغض النظر عن صواب أو خطأ ما يعتقد، إلا أنها حالة معروفة لدى الناس وهي الضنّ بالمعرفة، والاعتقاد  بالمعرفة أكثر من الأخرين، ولقد أوضح كتاب الله  أنّ هذا الأمي وإن كان لديه بعض المفاهيم والأفكار الجديدة، إلا أنها تفتقر إلى العلم الكامل، وينتابها التمني والهوى الشخصي، وهو بالطبع ما يفسدها.

والآية التالية للآية محل دراستنا تزيد الأمر وضوحًا: 

)فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ( ( سورةالبقرة : آية 79).

للأسف، فإن هؤلاء الأميّين وبسبب افتقارهم لمنهج محدد وعلم حقيقي سوف يقولون على الله ما لا يعلمون، ويزداد الأمر سوءاً عندما يجعل أحدهم من نفسه وكيلاً عن رب العالمين، ويخبر الناس أن هذا هو كلام رب العالمين ومراده بغير علم، ولا يختلف هؤلاء الذين كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله، عن أولئك الذين قالوا إنّ الله حرم وحلل ولعن، دون نص صريح من رب العالمين.

لو استمعت اليوم إلى لجان الفتوى في شتى بقاع الدول التي تقول إنها إسلامية، لرأيت العجب من تحريمٍ بالقياس، ولعن بالجملة، وتعميم أحكام، وتخصيص أخرى، وفي ثقة لا مثيل لها وتَقُوُّلٍ على الله ما لم يقلْه، ونرى إصراراً عجيباً من كثيرين على إصدار أحكام باسم الله، في ثقة لا نهائية بأن هذا هو مراد الله وغاية كلامه، ولا يوجد وصف لهؤلاء الباحثين أصدق من كونهم أميّون، لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ، ولو أنهم صدقوا الله وتعلموا، واتبعوا المنهج القرآنيّ لكان خيراً لهم ولأتباعهم.

الآية الثانية:

)فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( (آل عمران: الآية 20 ).

- يتضح من الآية الكريمة أن هناك محاجّة، وهذه المحاجّة قائمة على معرفة وعلمٍ ما، ولذلك يصبح الإقناع فيها ليس بالشيء السهل، وخصوصاً إذا كان كلا الطرفين يظنّ أنه يمتلك الحقيقة.

✦ تبدو المحاجة هنا مع الذين أوتوا الكتاب -وهم بالطبع لديهم معرفة معينة- والأميين، وهم أصحاب فكر وقدرات عقلية جيدة؛ لذلك فالنقاش مع هذه الأنماط ليس رفاهية، بل يحتاج لجهد ومثابرة ودراية.

لفظ [الأميين] في هذه الآية الكريمة يتوافق تماماً مع ما ذهبنا إليه، من أن الأميّ هو صاحب فكر أصيل، ولكن يبدو هنا أن فكره الأصيل غير قائم على حجج قوية ودلائل واضحة.  طرفي الآية الكريمة هم الذين أوتوا الكتاب والأميون؛ فبينما الذين أوتوا الكتاب يعظم لديهم الجانب الإيماني، فإن الأميين يعظم لديهم الجانب العقلي، والأية التالية سوف تلقي الضوء أكثر على هذين الطرفين.

الآية الثالثة:

)وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( ( سورة آل عمران : الآية 75)

بيان من هم أهل الكتاب يحتاج لفصل كامل، ولكن دعونا نؤجّل الحديث عن أهل الكتاب لجزء قادم، ونشير فقط إلى أن الكتاب جاء في أغلب المواضع مقروناً بالإيمان؛ مما يدل على أنَّ من أهم صفات أهل الكتاب هو الإيمان القلبي بالكتاب، بينما الأمي-كما ذكرنا- هو صاحب فكر ومنهج عقلي، بغض النظر عن صحته، أو خطأه.

✦ فهذه الآية الكريمة تلقي الضوء على الصراع القائم بين أهل الإيمان وأهل العقل، وكيف يتعامل أهل الإيمان مع المختلفين عنهم، وكيف يمكن لهم أن يبخسوا الناس المختلفين عنهم أشياءهم، وخاصةً الذين يظنون أنهم غير مؤمنين مثل إيمانهم.

الأميون هنا: هم من جاؤوا بفكر جديد، ولكن يبدو أن هذا الفكر تعارض مع إيمان أهل الكتاب، لذلك يستحلّ أهل الكتاب أو بعض أهل الكتاب حقوق الأميّين؛ نظراً لأنهم مُجدِفون في نظرهم أو زنادقة.

✦ هذه الآية الكريمة من الآيات التي فسرها المفسرون على أن اليهود يستحلون أموال العرب على أساس أنّ العرب هم المعنيّون بالأميّين، وقلنا إن تسمية العرب بصفة عامة بتسمية الأميين، هي تسمية غير صحيحة، ولو أن المفسر اعتقد أن العرب أميون بسبب جهلهم بالقراءة والكتابة، فقد سقطت هذه الحجة؛ لأن التاريخ يثبت أن العرب كان فيهم من يقرأ ويكتب، أضف إلى ذلك أنه لم يصلنا أيُّ حالةٍ تقول إنَّ اليهود كانوا يأكلون أموال العرب، بل على العكس من ذلك؛ كان بين اليهود والعرب تجارة طبيعية، ليس فيها هذا النوع من البخس.

الآية الرابعة:

)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ( سورة الأعراف : آية 157).

سورة الأعراف تتحدث عن حال الأنبياء مع أقوامهم بشكل مرتب، وجاءت قصة نبي الله موسى مع قومه، وحال بني إسرائيل من خلال الآية 103 وحتى الآية 171 .

النبي الأمي في الآية 157 هو نبي الله موسى، وليس نبي الله محمد كما ذكرت التفاسير، إذ تحدثت الآية السابقة لها مباشرة عن الذين قالوا: إنا هُدنا، وهم أتباع نبي الله موسى:

)وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚقَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ( (سورة الأعراف : آية 156).

فإذا كان سياق الآيات جميعها يتحدث عن بني إسرائيل وعن نبي الله موسى، فما الذي دعا المفسر للاعتقاد أن المقصود بالنبي الأمي هو رسول الله صلوات ربي عليه؟

 الآية الخامسة:

الآية التالية أمرٌ لرسول الله بالقول إنه رسول الله إليهم جميعاً، ثم يذكِّرهم بالإيمان بالله ورسوله النبي الأمي، وهو أيضاً موسى عليه السلام إذ الإيمان الصحيح به يقود للإيمان بهذا الرسول الكريم محمد صلوات ربي عليهم جميعاً.

)قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جميعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( (سورة الأعراف: آية 158).

التعبير القرآني )النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ( يدل على أن المقصود هو نبي الله موسى، الذي آمن بكلمات الله، وكلمه الله تكليماً.

الآية السادسة:

)هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ( ( سورة الجمعة : آية 2). 

كما ذكرنا أن مرحلة نبي الله إبراهيم كانت مرحلة انقلاب في تاريخ البشرية، من ناحية استخدام العقل والاستدلال المنطقي، ولذلك وصفه ربه بأنه أمة، ويبدو جلياً أنَّ البشرية بعد نبي الله إبراهيم أوبشكل دقيق نسل نبي الله إبراهيم، ساروا على نهجه العقلي والمنطقي، وحاولوا محاولات متنوعة للاستدلال و الاستنتاج، ومن الطبيعي أن يضل الناس في حالة عدم وجود منهج محدد وصارم يعملون في إطاره.

ما نستطيع استخلاصه بكل سهولة من هذه الصورة أننا عندما نتتبع التاريخ، ونحاول قراءة الفترات التاريخية التي ظهر فيها مجددون بأفكار ثورية غيرت حياة الكثيرين، أنه يأتي بعد هؤلاء المجددين أتباعٌ يحاولون إنتاج فكر شبيه، ومثيل لما أنتجه المفكر الأب، ولكن بسبب تفاوت القدرات تجدهم في كثير من الأحيان يضلُّون الطريق، وللأسف، يخلط الناس بين المجدد الأصلي، وتلاميذه الذين لا يمكن أن يكونوا على نفس القدر؛ لأنهم في الغالب مقلدون في الظاهر، ويفتقرون للمنهج السليم والحس الصادق.

لو صادف الأمر وجاء من يستخدم منهجاً علمياً، ويلتزم به، فلربما جاء بمثل ما جاء به الأصل من حيث  الأصالة والتجديد، مع اعتبار فارق الزمن، وهذا ما حدث مع موسى عليه السلام، فهو نبي أميّ، جاء بشيء جديد وأصيل هدى به الأميين الذي لديهم أفكار وإنتاج بشري جديد، ولكنه غير قائم على أصول قوية ومنهج سليم.

✦ هؤلاء الأميون إذا كانت أفكارهم قائمة على مجرد الأماني، وتفتقر إلى منهج سليم، لا شك في وقوعهم في الضلال، ولن يكونوا قادرين على الخروج من  هذا الضلال والظلمات؛  لذلك كان إرسال هذا الرسول بالكتاب والبينات والفرقان أدلةً واضحة وبراهين ساطعة؛ ليخرجهم من ضلالاتهم إلى نور العلم والحق.

بعد توضيح وبيان أن المقصود بالنبي الأمي هو موسى عليه السلام، السؤال هنا ما الشيء الذي جاء به موسى، وكان شيئاً جديداً وأصيلاً لم تعرف البشرية مثيله من قبل؟

ظهور الكتابة:

عدم تسجيل قصة خروج بنى إسرائيل من مصر على جدران المعابد الفرعونية، والتي ذكرت في كتاب الله ظلت عصيَّةً على الفهم؛ إذ لا يوجد لهذا الحادث أيّ أثر يذكر في النقوش  والكتابات الفرعونية، وكذلك لا أثر لقصة فرعون موسى الذي غرق، ومن الأحداث العظيمة التي حدثت لبني إسرائيل والتي لا أثر لها تاريخياً كذلك، قصة يوسف في مصر وتخزين الغلال للنجاة من الجفاف المهلك، كل هذه الأحداث ليس لها أي أثر في أي نقوش أو كتابات  قديمة، أتدري لماذا ؟ لأنه ببساطة لم تكن الكتابة موجودة بعد (أو أن الكتابة لم تُفهم بشكل صحيح وبعيدة عن مدلولتها الحقيقة!)

 نعم، الكتابة (المنهجية)  ظهرت لأول مرة مع ظهور نبي الله موسى، وهي عبارة عن تدخل إلهيٍّ تام، جرى على يد نبي الله موسى.  (معنى المنهجية مرتبط ارتباط وثيق بالمدلول الصوتي للحرف وعلاقته الفيزيائية حت لا يتسرع ارباب الانثربوجيا  واصحاب التاريخ القديم لرفض الفكرة بناء على معطيات لديهم مثل الالكتابة المسمسارية أو غيرها : إننا نتحدث عن علاقات متكاملة بين اللغة منطوقة وبين اللغة مكتوبة وبين الحالة الفيزيايئية التي يمثلها الحرف والتي سوف تتكشف بالكامل بعون الله مع الجزء السادس المعني بالحروف المقطعة). الموضوع طويل ويحتاج لتفصيل اكثر بكثير مما هو عليه الآن ولكن دعونا في هذا الفصل تحديدا نتحدث عن ظهور الكتابة من خلال الإشارة القرآنية في كتاب الله (كلم الله موسى تكليما)

سوف نحاول -بفضل الله- في السطور القادمة تفصيل كيفية ظهور الكتابة، من خلال القصص القرآني الخاص بنبي الله موسى.

مفاتيح ظهور الكتابة تتمحور حول ثلاث عبارات قرآنية، وهي: التوارة- كلَّم الله موسى تكليماً- الألواح.

✦ أولاً: كلَّم الله موسى تكليماً

الاعتقاد  السائد أن الله سبحانه وتعالى كلَّم موسى بشكل مباشر، أي: مشافهة، وذلك كما جاء في أغلب التفاسير، وقد لخص لنا أبو جرير الطبري بعضا منها كما يلي:

✦ «)وكلم الله موسى تكليمًا(، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وخاطب الله بكلامه موسى خطابًا، حدثنا نوح بن أبي مريم، وسئل: كيف كلم الله موسى تكليمًا؟ فقال: مشافهة.

جابر الخثعمي قال: سمعت كعبًا يقول: إن الله جل ثناؤه لما كلم موسى، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه - يعني: كلام موسى- فجعل يقول: يا رب، لا أفهم! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة، فقال: يا رب هكذا كلامك؟ قال: لا ولو سمعت كلامي -أي: على وجهه- لم تك شيئًا!

عن جزء بن جابر: أنه سمع كعبًا يقول: لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه، طفق موسى يقول: أي رب، إني لا أفقه هذا!! حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه، فقال موسى: أي رب، هذا كلامك؟ قال الله: لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئًا! قال، يا رب، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا وأقرب خلقي شبهًا بكلامي، أشدُّ ما يسمع من الصواعق»  انتهى الاقتباس من التفسير .

الغريب أننا عندما نبحث ونحاول فهم لفظ قرآني من خلال منهج علمي محدد، يبرز أحدهم بكل ثقة يسألك عن دليلك، برغم ما تسوقه من أدلة وبراهين قائمة على مدلول اللفظ القرآني، وتستمد قوَّتها من جذر الكلمة وسياق الآيات، بينما لم يكلف نفسه أن يتوقف للحظة ويسأل من خطَّ هذا الكلام بهذه الطريقة؟ وما الدليل والبرهان على ما تقول وتسجل؟

الأجدر طرح سؤال: ما دليلك؟ على من كتب حواراً بين موسى وربه بهذه الطريقة التي لم يذكرها القرآن، ومن أين جاء بهذه التفاصيل؟ ما الذي يدفع إنساناً أن يقول إن الله كلم موسى بالألسنة أو كلمه مشافهة بأكثر من لسان؟ لماذا لم يتوقف هؤلاء -إن كانوا لا يعلمون- عند اللفظ، وقالوا مثلاً: نؤمن أنَّ الله كلم موسى، ولكن لا نعرف الكيفية،  بدلاً من هذه  القصص والخيالات التي ما أنزل الله به من سلطان.

لقد جاء التعبير القرآني عن كلام الله لموسى من خلال مشهدين من المشاهد القرآنية:

المشهد الأول: في سورة الأعراف

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًاۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚسَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)( (الأعراف: الآية 143-145)

المشهد الثاني: في سورة النساء

)إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)( 

السؤال هنا: هل يمكن أن يكلم الله بشراً بطريقة مباشرة ؟

الإجابة من خلال كتاب الله، وهي: لا لم يكلم الله بشراً بطريقة مباشرة، وقد فصل كتاب الله ذلك عندما حدد لنا  كيف يكلم الله عباده .

)وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ( ( سورة الشورى: آية 51).

تقول التفاسير: إن في حالة موسى عليه السلام، قد كلمه الله مشافهة من وراء حجاب!  للأسف، هذا خلط واضح، ولا أدري كيف عبر هذا الخلط كل هذه العصور، دون أن يلتفت إليه أحد!

حاشا لله أن يكون  وراء حجاب؛ فهو لا يحتاج لذلك، وإنما المقصود هو الكلام، فالكلام إما أن يكون وحياً، أو من وراء حجاب، أو عن طريق رسول، فالحجاب واقع على الكلام، وليس واقعاً على الله سبحانه وتعالى، وسوف نتعرف بعد قليل ما هو الحجاب الذي حجب الكلام وقد ذكره الله في كتابه.

✦ قصة نبي الله موسى قصة متشابكة، ومتنوعة المشاهد، ومن أهم المشاهد التي أيَّدت أن الله كلم موسى بطريقة مباشرة هو الحوار الذي دار بين موسى وربه في الواد المقدس طوى، والذي سجلته لنا سورة طه.

لنقرأ سوياً الآيات بتآنٍ :

)وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَ أي ٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖإِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)( (سورة طه : آيات 9-37).

كل هذا الحديث الذي دار بين موسى وبين ربه كان وحياً، ولم يكن بطريقة مباشرة بنص القرآن، ومن خلال الآية رقم (13) التي يقول فيها ربنا لنبيه: استمع لما يوحى، أي أن ما يقوله ربنا هنا هو عن طريق الوحي، وليس كلاماً مباشراً كما يتوهم البعض.

)وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ( ( سورة طه : آية 13).

ربما يختلط على الناس ما جرى  بين موسى وربه، فشكل الأمر تبادلٌ للحوار، فربنا يقول ويرد موسى، وموسى يطلب وربنا يجيب وهكذا. 

لكنَّ هذا لا يتنافى مع الوحي إطلاقاً، ولقد سجل لنا القرآن الكريم حورات عديدة كهذه، مثل حوار النبي إبراهيم مع ربه، وقد كان حواراً مرناً، فيه تبادُلٌ للحديث، ولا يمكن لعاقل أن يقول إن هذا الحوار تم بطريقة مباشرة، ولكن كما يخبر القرآن أنه كان وحياً.

)وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِيۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚوَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( ( سورةالبقرة: آية 260).

كذلك الحوار الذي سجّله لنا الكتاب بين نبي الله زكريا وربه في سورة مريم، وأيضاً كان وحياً، ولا يمكن أن يقول عاقل أنَّ حوار نبي الله زكريا كان بطريقة مباشرة بين زكريا وربه:

)ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖوَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)( (سورةمريم : الآيات 2-10).

نجدُ في الآيات نداء صريح من الله لزكريا، وأنه سوف يهبه غلاماً، فيرد زكريا: رب اجعل لي آية فيقول ربنا: آيتك هي ألا تكلم الناس، فهل هذا الحوار تم مباشرة أم عن طريق وحي؟ بالطبع عن طريق وحي.

في سورة آل عمران وخطاب الله لنبيه عيسى، هل كان مباشرة أم كان عن طريق وحي؟

)إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ( (سورة آل عمران : الآية 55).

قول الله لبني إسرائيل إني معكم دليل آخر على أن الحوار كان وحياً، رغم التعبير القرآني، )قال الله(:

)وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ( (سورة المائدة  : آية 12).

آيات أخرى تتحدث عن قول الله لعيسى، وهي أيضاً وحي، وليست بطريقة مباشرة:

)إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ( ( سورة المائدة : آية 110).

آيات أخرى في سورة المائدة تصور حواراً بين عيسى عليه السلام وربه، عندما يطلب من الله مائدة من السماء، ويجيب ربنا أنه منزلها عليهم: 

)قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖوَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)( (سورةالمائدة: آيات 114-115)

من خلال الحوار الذي دار بين نبى الله موسى وبين ربه، والذي قال فيه ربنا لنبيه استمع لما يوحى، ومن خلال الأمثلة السابقة، نستطيع أن نقول: إنَّ الحوار الذي دار بين نبي الله موسى وربه إنما كان وحياً، ولم يكن هو الخطاب المقصود بالكلام، مشهد الكلام هو مشهد آخر قصَّه علينا ربنا وفصَّله تفصيلاً.

✦ يقول ربنا إنَّ موسى جاء لميقات، وهذا الميقات هو الذي حدث فيه الكلام المقصود:

)وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚفَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ( ( سورةالأعراف : آية 143). 

الكلام هنا يحتمل ثلاثة احتمالات لا رابع لهم بنص كتاب الله:

✦ إما إن يكون وحيا ✦ أو من  وراء حجاب ✦ أو من خلال رسول (وحي من خلال رسول).

✦ لم يكن الكلام في هذا الموقف وحياً كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى، فقد فصل هذا الموقف عن المواقف الأخرى التي أوحى فيها للأنبياء، وأكَّد على أنه كلم موسى تكليماً:

)إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚوَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚوَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)( (سورةالنساء : الآيات 163-164)

لاحظ أننا نتحدث عن موقف الكلام الذي جاء فيه نبي الله موسى للميقات وكلمه ربه، وليس موقف الوادي الذي قال ربنا عنه: استمع لما يوحى.

✦ إذا كان الوحي مستبعداً في موقف الكلام هذا فلا يبقى لدينا إلا الكلام من وراء حجاب، وكما ذكرنا أن الحجاب واقع على الكلام وليس واقع على ربنا، تنزه ربنا عن ذلك.

أصل كلمة [حجاب] هو حجب، ومعناها كما في قاموس اللغة هو: المنع، فكيف يتساهل الناس في الاعتقاد  أن الله خلف حجاب، فالله سبحانه وتعالى قال عن نفسه: لا تدركه الأبصار، ولم يقل إنه خلف حجاب. 

)لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( (سورة الانعام: آية 103).

فعل [كلم] كما في قاموس اللغة له أصلان، أولهما: نطق مفهموم، والثاني: جراح.

لو حاولنا تتبع لفظ [الكلام] في كتاب الله سنجد أنه: شيء مقصود متعمد، له تأثير ووقع ما.

تنبيه: كلام الله يختلف عن كلام البشر؛ فكلام الله هو الحقيقة المطلقة والمجسدة لا شك في ذلك، فعندما قال ربنا عن عيسى عليه السلام: كلمة الله ألقاها إلى مريم، هو قول حقيقي، مجرد قول الله عيسى كان عيسى، فكلام الله حقيقة واقعة ليس ككلام البشر، ولذلك نشير دائماً إلى أنَّ كتاب الله الذي يحوي كلامه لابد أنْ نتعامل معه على أنه كلمات حقيقة ليس فيها مجاز، وإن أعجزنا فهم شيء يجب أن نقول إننا لا نفهم، ولا نحيله إلى المجاز و نتعصب له.

✦ هذا الكلام مع موسى عليه السلام قال عنه ربنا إنه من وراء حجاب،  فما هو الحجاب ؟

✦ فهل الحجاب هو التوراة ؟

حتى يمكننا فهم معنى التوراة يجب أن نحلل الكلمات الشبيهة، والتي وردت في كتاب الله، لتدلنا على الكلمة مدلول كلمة التوراة .

للأسف الشديد، أصل كلمة [التوراة] وهي تور أو تار، ليس فيها شيء يقال، وبعض المعاجم قالت: إن أصل كلمة تور هو إناء، وهذا الأصل لن يفيدنا في شيء، ولكن بتتبع الكلمات الشبيهة في كتاب الله سنجد أن التوراة تعني الشيء الذي يخفي شيئاً أو يحجب شيئاً. 

)يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ( (سورة النحل :الآية 59)

يتوارى من القوم، أي: اختفى عن أنظارهم,

)فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ( (سورة ص :الآية 32).

[توارت] هي تقريباً نفس حروف وصوت التوراة، والاختلاف فقط هو التاء المبسوطة، وتعني الاختفاء. 

✦ التوارة من خلال اسمها ومن خلال منهجنا في كتاب الأسباب يبدو أنها ذاتها الحجاب الذي تحدث ربنا عنها، ويبدو أيضاً أن التوراة كانت أول مخطوط يحمل كلمات رب العالمين، حيث اختفى منطوق الكلمات خلف رسمها.

✦ هذا معناه أنَّ الكتابة كانت هبة خالصة من الله، وهي التي قال عنها ربنا: إنه كلم موسى تكليماً، وهذا الكلام كان من وراء حجاب، فتم رسم هذه الكلمات كتابة؛ فأصبح رسم الكلمة أو الخط يخبِّئ خلفه المدلول الصوتي للكلمة، في التوراة التي أنزلها ربنا على نبيه موسى عليه السلام.

ما يعزز هذه الفرضية باقي الآيات في سورة الأعراف، التي تحدثت عن ميقات موسى وكلام رب العالمين، حيث يقول ربنا: إنه اصطفى موسى برسالاته وبكلامه فخذ ما آتيتك بقوة، والتعبير القرآني )خذ ما آتيتك بقوة( يمكن أن يحمل معنى مادياً؛ بحيث يأخذ شيئاً مادياً، ومن الممكن أن تصف حالة لا مادية؛ كأن يأخذ الإنسان نصيحة أو فكرة مثلاً.

في حالة موسى عليه السلام حملت المعنيَيْن، فالآية التالية تشير إلى أن المأخوذ هو الألواح، وفي نسختها هدى ورحمة، وهذه الألواح هي أول ما تم الكتابة عليه، وكانت بتدخل إلهي خالص، فظهور الكتابة في عهد نبي الله موسى، مثلها مثل اللغة والاسماء التي تعلمها آدم، ففي حين أنَّ آدم حمل القدرة على التسمية ونشأة اللغة، كذلك حمل موسى رسم كلمات رب العالمين

)وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚقَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚفَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚسَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)( (سورةالأعراف: الآيات 143-145).

لقد كان تكليم الله لموسى عن طريق رسم الكلمات، والتي وردت بشكل صريح عندما قال ربنا: وكتبنا له في الألواح، والكتابة على الألواح أو رسم الكلمات على الألواح هي بداية ظهور الكتابة، والتي جاءت على يد نبي الله موسى، والتي نقلت البشرية نقلة حضارية لا مثيل لها؛ فظهور الكتابة كان تحولاً معرفياً فارقاً في تاريخ البشرية، وإيذاناً بعصر التدوين وتراكم المعرفة، والذي سيظهر أثره في العصور اللاحقة.

✦ إنَّ قراءة القرآن هي بمثابة تكليم الله للبشرية، فرسم الكلمات كتابة يدل على منطوقها الحقيقي، فعندما نقرأ الكلمات في كتاب الله فهذا يعني حرفياً أن الله يكلمنا، ولكن كلماته سبحانه ليست مشافهة، وإنما من خلال طريقة رسم الكلمات وهي الكتابة.

لقد جاء تأكيد رب العالمين على أنه كلم موسى تكليماً؛ بسبب أن نبي الله موسى كان  الرائد الأول الذي كلمه الله من خلال عملية كتابة الكلمات؛ ولذلك هو أشهر وأحق  من سُمِّي بالنبي الأميّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكثر الصفحات مشاهدة